two boy's walking on green grass field

الخل الوفي

1/28/2012

سلام على الدنيا إذا لم يكن بها

صديقٌ صدوق صادق الوعد منصفا

الخـِلّ الوفي، أمين على سرك، حافظ لغيـبتك، مؤنس لأوقاتك، شريك خلواتك، يفرحك حضوره، ويمتعك حديثه، سلوة في النوائب، عضد في الشدائد، لا تخفى عليه عيوبك ولا يتـتبعها ولا تـنقص من منزلتك عنده، يستر عورتك، ويقيل عثرتك، ويرفع ذكرك، ويكبر مشهدك، يستشعر حاجتك، ويفهم إشارتك، صحبته دوما لذة، وفراقه أبدا غصة، وأنت له ومنه ذلك كله، ألفة نفس وسكن روح..

وهو أحد ثلاث مستحيلات عند العرب مع الغول والعنقاء،

لَمّا رَأَيتُ بَني الزَمانِ وَما بِهِم

خِلٌّ وَفِيٌّ لِلشَدائِدِ أَصطَفي

أَيقَنتُ أَنَّ المُستَحيلَ ثَلاثَةٌ

الغولُ وَالعَنقاءُ وَالخِلُّ الوَفي

— صفي الدين الحلي

وليس المستحيل أن تجد لك خـِلا، أو توافق صاحبا، وإنما اجتماع ذلك كله لك منه، وله منك، مع اتفاق بينكما في الزمان والمكان، وطول البقاء هو عين المحال.

فإما أن لا يوجد ذلك كله في شخص واحد، بل تجد شيئا منه، وإن كان أكثره، يجذبك، ثم يقابلك بأمر أو أمور أخرى، وإن قلـّت، تـنفرك.

أو يجتمع ذلك كله في شخص واحد، أو يخيل لك، فيستحيل الاتفاق، إما لبعد مكان، أو ظرف زمان، أو حائل يحول بينك وبينه.

أو يحصل الاجتماع والاتفاق فلا يلبث إلا يسيرا فيجري المقدور بالشتات، وينقلب فرح اللقاء إلى ألم الفراق.

ولا أدري أيهما أكثر ألما، وأشد تـنغيصا: أن لاتصادف خلك ذاك، وتبحث عنه فلا تجده، حتى تـتحقق اليأس منه، وتقنع بحياتك بدونه، فلا يحصل لك ذواق أبدا؟

أم أن تجده وما أن تـتذوق قربه أو يلوح لك ذوق، حتى تفقده وتعيش بقية أيامك بحسرة وألم؟؟

فهل شدة الألم في تمام الحرمان، أم أشده الحرمان بعد الذواق؟؟؟

فإن قيل هو في الأول أشد، رد على ذلك: لكن لعله لكونه لم يعرف ما فقد، لا يحصل له شدة ألم من يعرف تماما مقدار ما فقده..

وإن قيل هو في الثاني أشد، رد على ذلك: ولكنه حصلت له، أو لاحت له لذة فاستشعر الفرح ولو لحظة، وذاق السعادة ولو مرة، والأول لم يذق طعم السعادة أبدا، وعاش دهره منغصا….

والحاصل من الأمر كله، أن الراحة في هذه الدارمحالة، لأنها من الأغيار، ولا تبقى أبدا على حال، وكل ما فيها ومنها وما اتصل بها من صفتها، فلا دوام ولا بقاء، بل تـنقـل وفناء.

فسبحان اللطيف الخبير، الذي ما جعلها لنا قرارا، وجعل الأيام تتوالى فيها سراعا، فقصـّر زمن المحن، وخفف بذلك الألم، وجبل الانسان على النسيان، وأردفه بطول الأمل، وغلـّب الأماني على الأحلام، تعالى في ملكه ما شاء كان، ولو عقل الانسان لما غـلـّب هوى فان على باقي، ولا طلب إلا قرب الرحمن.

التعليقات

برجاء ذكر عنوان المقال عند التعليق