a person holding their hands up in front of a window

أم للإنسان ما تمنى

2/12/2012

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله العاطي الوهاب، المبتدئ خلقه بالنعم قبل السؤال، والمنان بعظيم العطايا عند السؤال، والمانح جزيل الهدايا فوق السؤال..

والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على أجل الأحباب، الغاية المكنونة من خلق الأكوان، والوسيلة المضمونة إلى خالق الأكوان، وعلى آله وصحبه ومن بديدنهم دان.

أما بعد فقد اقتضت حكمة الديان، أن يقذف في قلوب عباده الخصبة بالمحبة، بذور أمان ٍ لها بالحق صلة، فإذا تغذت بنيات صالحة، تقبلها ونمّاها، وأجزل روافدها، وضاعف ثمراتها، وأعظم نتاجها، وعمم نفعها ونشرها بين بريته، ومد خيرها وجاوز به الزمان والمكان..

فكم من متحصن ٍ في أمان (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً)،

وكم من مترق ٍ في مدارج (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)،

وكم من متقلب ٍفي نعمة (فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ)،

وكم من مقتربٍ موصول ٍ بعوائد (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا)،

وكم من متحرقٍ بنار شوق (وددت أنا قد رأينا إخواننا) ..

تلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه .. فنجونا،

أذّن إبراهيم بالحج .. فلبينا،

سعت هاجر للماء .. فارتوينا

وهكذا..

كل من أقبل بأمنية، مربوطة بنية مسنودة بهمة علية، تقبلها منه الكريم العظيم، وأجزل له العطية، وعم نفعها البشرية.

فهذه حنا زوجة عمران، تمنت أمنية فاستجاب لها الحنان المنان، فربطتها بنية (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) فواجهها كرم الكريم بجزيل العطايا،

طلبت ثمرة فأعطيت شجرة (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ )،

فأسندتها بهمة علية (وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ)،

فأنعم الله عليها بالقبول (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ )،

ثم نماها ( وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً )،

ثم أجزل روافدها (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا)،

ثم ضاعف ثمراتها..

فرعاية زكريا لمريم في ظاهرها رعاية تكليف، وفي حقيقتها رعاية تشريف، فلما تحقق زكريا بذلك، وأيقن بأنه لم يتكفل بها حقيقة (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا )،

وإنما كـُفل بها (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ)،

علم بأنه في مشهد الحنان المنان المانح المعطي جزيل الإحسان، فطمع في كرم العزيز الوهاب (إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)،

وتحركت في نفسه لواعج أمنية قديمة دفينة، قد انقضى أوانها (إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً)،

وانقطعت أسبابها (وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً)،

علم أن تحقيقها حيث تحقق (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ)،

وربطها بنية عظيمة (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) إرث النبوة،

فجاءه القبول (فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ )،

ثم النماء (أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ)،

ثم توالى العطاء (بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ).

ثم أعظم الله تعالى لحنا النتاج ( إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ )،

وعم نفع المسيح وظهر، وتجاوز حاجز المكان والزمن،

وامتدت صلته إلى خير البشر (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ) ،

وعم الخير كل الوجود وانتشر.

وهكذا كل متلبس بلباس الافتقار للقدير الوهاب، في كل زمان ومكان، متى تحرك قلبه بالطلب من مولاه الكريم، لتحقيق أمنية شريفة المقصد والغاية ارتبطت بنية خالصة من كل شائبة، واستندت على همة عظيمة عالية، فالله جل وعلا كفيل بالتحقيق، لا نشك في ذلك ولا نخيب، والكريم يضاعف لمن يشاء ويزيد في العطاء، فإذا تجلى على عبده الفقير بتجليات الرحمة والكرم، فاض قلبه بما أفاضه عليه ربه، الذي وسع العالمين جوده وفضله، فعم ذلك الفيض من حوله، وجاد عليهم بما جاد عليه مولاه (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب) فما أعظم هبات الحنان المنان وما أشرف مقام الإحسان إذا وُفق العبد له وقام فيه على وصف الخشوع والتذلل لمولاه الجبار المتعال.

فيا أكرم من سئل وأجود من جاد بالعطاء، اغفر وارحم واعف وتكرم وجُد وتفضل وتحنن وتمنن، ومن لدنك أفض علينا بوصفك الذي لا يفنى، فضلا وجودا ومَنّا لا باكتساب مِنّا.

وصل يا رب أكمل الصلوات وأتمها وأعظمها وأشرفها، على نبي رحمتك وساقي محبتك، أشفق خلقك على خلقك، الساجد تحت عرشك من رفعت شانه بـندائك (يا محمد ارفع رأسك)، وجُدت عليه بسؤله قبل سؤاله، (واسأل تعطى)، وشفعته في خلائقك (واشفع تشفع) وعلى آله وصحبه ومن تحقق بحبك وحبه وسلم تسليما كثيرا.

والحمد لله رب العالمين

التعليقات

برجاء ذكر عنوان المقال عند التعليق